لقد عرفت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي أقرت بروما عام 1998م الجرائم ضد الإنسانية بأنها الأفعال اللا إنسانية الجسيمة الاضطهادات التي تقع حصرا على إنسان أو مجموعات إنسانية لأسباب سياسية أو عرقية أو القومية أو الدينية أو أثنية أو ثقافية أو متعلقة بنوع الجنس “ذكرا أو أنثى” متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجوعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم ولكي تكون هذه الجريمة دولية ضد الإنسانية لابد من توافر أركانها وهي: الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي والركن الشرعي وسأتعرض لكل ركن بشيء التفصيل في هذا المبحث.
أولا – الركن المادي:
يقوم الركن المادي للجريمة ضد الإنسانية، على مجموعة من الأفعال الخطرة التي تصيب إحدى المصالح الجوهرية الإنسان أو مجموعة من البشر يجمعهم رباط سياسي واحد أو عرقي أو ديني أو قومي أو اثني أو متعلق بنوع الجنس “ذكر أم أنثى” فالمجني عليه أو المجني عليهم في هذه الجريمة هم الذين ينتمون إلى عقيدة دينية واحدة، أو مذهب سياسي واحد، أو قومية واحدة أو أبناء عرق واحد، أو من الذكور أو من الإناث، والأفعال التي يقوم بها الركن المادي لهذه الجريمة يجب أن ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين المادة ( 8/1 ) من نظام روما الأساسي ويقصد بالهجوم الموجه ضد مجموعة من السكان المدنيين نهجا سلكيا يتضمن تكرار ارتكاب الأفعال التي تقع بها الجريمة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين التي تنتمي إلى إحدى الروابط السابقة تنفيذا لسياسة الدولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تعزيزا لهذه السياسة” ( م7/2/أ ) من نظام روما الأساسية 1998م ” ويشترط لقيام الجريمة أن تتمثل في مظهر مادي ملموس يعد انعكاسا لها في الواقع، والإنسان هو الفاعل للجريمة وهذا يتمثل في السلوك الإيجابي أو السلبي الذي يؤدي إلى نتيجة يجرمها القانون فالعناصر الأساسية لهذا الركن تنطبق على الجريمة كما هو الحال في القانون الداخلي وهي السلوك أو العمل أو الفعل المحظور الذي يصيب المصالح الدولية بضرر أو يعرضها لخطر، ويتخذ الركن المادي في الجريمة إما سلوكا إيجابيا يتمثل في القيام بفعل إجرامي وإما سلوكا سلبيا في الامتناع عن القيام بفعل يأمر به القانون
ولكن هذه الأفعال التي عددتها الاتفاقات الدولية وبعض التشريعات الوطنية التي أرست مفهوم الجرائم ضد الإنسانية تعد جرائم حق عام في القوانين الداخلية وعلى سبيل المثال جريمة القتل وجريمة الاغتصاب والإجهاض والتعذيب والاعتداء على الحرمة الجسدية والعقلية وغيرها من الأفعال المحرمة من قبل التشريعات الوطنية قبل ظهور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية فالركن المادي في هذه الجرائم نسخة مطابقة لجرائم الحق العام ويتضح ذلك من خلال النصوص التي تحدد الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية سواء في المادة ( 6 ) الفقرة (ج) من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية “نورمبرج” أو المادة ( 7 ) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهذا التشابه بين القانون الداخلي والقانون الجنائي الدولي في تكييف هذه الجرائم هو الذي دفع البعض إلى القول بعدم وجود فائدة من إرساء هذا النوع من الجرائم والاكتفاء بهذه الأفعال على أنها حق عام يمس الإنسانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
ثانيا- الركن المعنوي:
الجريمة ضد الإنسانية جريمة مقصودة يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي والقصد الجنائي الذي يجب أن تقوم عليه هو القصد الخاص إلى جانب القصد العام، فالقصد العام يتكون من العلم والإدارة أي علم جنائي بأركان الجريمة أي كما يتطلبها القانون، إضافة إلى لانصراف إرادته لارتكاب هذه الجريمة وتحقيق نتائجها في حين أن القصد الخاص يتكون من العلم والإرادة أيضا إلا أنه يتميز عن سابقه بكونه لا يقتصر على أركان الجريمة بل يمتد إلى واقع ليست من أركان الجريمة، فالقصد الخاص هنا إضافي بمعنى ألا قيام له بدون قصد عام، فحتى الجرائم التي يتطلب القانون فيها قصدا خاصا لابد من توافر القصد العام فيها لذلك يجب أن يعلم الجاني أن فعله ينطوي على اعتداء جسيم علة حقوق الإنسان الأساسية إما في صورة إهدار كلي لها وإما في صورة الحط من قيمتها ويجب أيضا أن تتجه إرادته إلى هذا الفعل، كما يجب أن تكون غايته من هذا الفعل وهذا القصد الخاص إلى النيل من الحقوق الأساسية لجماعة بعينها ترتبط بين وحدة معينة “دينية، عرقي، سياسية، ثقافي”. فإذا انتفت هذه الغاية ينتفي الركن المعنوي ولا تقع الجريمة ضد الإنسانية وإن كان يمكن أن تتوافر جريمة دولية أخرى مثل جرائم الحرب أو مجرد جريمة داخلية
ثالثا- الركن الدولي:
الجرائم ضد الإنسانية جرائم دولية بطبيعتها، نظرا لطبيعة الحقوق التي يتم الاعتداء عليها فهذه الجرائم التي ترتكب جميعها ضد الإنسانية صارت من موضوعات القانون الدولي واهتماماه، ويكفي لتوافر الركن الدولي أن تكون الجريمة قد وقعت تنفيذا لخطة مرسومة من جانب الدولة ضد جماعة بشرية تجمعها عقيدة معينة أو رباط معين ولا يشترط أن تكون تلك الجماعة تحمل جنسية الدولة أو لا أو يكون المجني عليه أجنبيا أو وطنيا بل الغالب هو ارتكاب هذه الجريمة على الوطنيين أي الذين يحملون جنسية الدولة، وفي هذه الحالة يكون الجاني والمجني عليه من رعايا نفس الدولة
لقد أشارت مقدمة كل من الفقرة ( 1 ) والفقرة( 2/أ )من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى الركن الدولي الذي يتمثل في العناصر الأربعة التالي:
1- الهجوم الواسع النطاق أو المنهجي.
2- الهجوم الموجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
3- كون الهجوم قد تم تبعا لسياسة دولة أو منظمة.
4- العلم بالهجوم
إن اهتمام القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أصبح أمرا ملموسا في الآونة الأخيرة وأدى إلى اهتمام بالجرائم ضد الإنسانية وتطويرها والسعي إلى تحريم المزيد من الجرائم دوليا، التي هي أصلا محرمة من القوانين الوطنية ولكن ما نخشاه هو تداخل هذه الجرائم ذات الطبيعة الدولية مع هذه الجرائم المحرمة في القوانين الوطنية واستقلالها سياسيا من جانب الدول الكبرى لتحقيق أجندتها الخاصة كما نخشى أن تقوم بعض الفئات من مواطني هذه الدولة بالتمرد على حكوماتها والاحتماء بالقوانين والمواثيق الدولية التي تزايدت في الآونة الأخيرة كما يحدث في إقليم “دارفور” بالسودان من قبل بعض الجماعات المتمردة التي تجد الحماية من بعض المنظمات الدولية التي تعمل في هذا الإقليم المضطرب.
رابعا- الركن الشرعي:
يقصد به أن يكون الفعل مؤثما أي النص القانوني الذي يصف الفعل على أنه جريمة، ففي القانون الجنائي، الداخلي يحدد النص التشريعي الأفعال المحظورة التي يعد اقترافها جريمة وتحدد عقوبتها، غذ ينبغي أن يكون متضمنا في نص مكتوب، حيث تستبعد المصادر الأخرى بينما لا وجود لمثل هذه الشروط في القانون الدولي الجنائي، نظرا لطبيعة الجرائم ضد الإنسانية لاستنادها إلى قواعد عرفية أرستها الاتفاقات الدولية، حيث أن القانون الدولي العام هو كذلك مستندا أساسا إلى الأعراف والعادات الدولية، كما أن بعض الدول ليس لديها قانون مكتوب كما هو الحال في الدول الإنجلوسكسونية حيث يتكون القانون عن طريق السوابق القضائية، وبطرق القياس
يتبع