أنصت اهتمام القانون الجنائي الدولي على حماية الإنسان، واعتبر أن الاعتداء الجسيم عليه لاعتبارات معينة يشكل جريمة ضد الإنسانية سواء وقعت في وقت الحرب أم السلم، ولعل أهم الاتفاقيات الدولية التي أبرمت لمواجهة الجرائم ضد الإنسانية هي اتفاقية مكافحة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها التي أبرمت سنة 1948م ، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م ، كما أن هناك أفعالا أخرى ظهرت أثناء النزاعات المسلحة في القرن العشرين مثل ما حدث في يوغسلافيا السابقة وراوندا كيفتها المحاكم الجنائية الدولية على أنها تمثلا جرائم ضد الإنسانية منها جريمة الاغتصاب والاستبعاد الجنسي، وجريمة الاختفاء القسري، كما غطت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أحد عشر صنفا من الجرائم ضد الإنسانية التي نادى المجتمع الدولي بضرورة تجريمها منذ فترة طويلة وقد عرفت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي معظم هذه الجرائم، وسنتناولها بشيء من التفصيل في هذا المبحث حسب ما ورد بنص المادة ( 7 ).
أولا- جريمة القتل العمد:
جريمة القتل العمد هي إحدى الجرائم ضد الإنسانية ونصت عليها الفقرة (أ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة وجاء نصها كما يلي:
1 – لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” متى ما ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:
أ-“القتل العمد”. ولا تكتمل جريمة القتل العمد إلا بوجود أركانها الثلاثة المتمثلة في أن يقتل المتهم شخصا أو كثير ويرتكب ذلك الفعل كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، ويشترط علم المتهم بأن هذا التصرف الفعل جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من الهجوم
يستوي في هذه الجريمة أن تكون الأفعال المعاقب عليها ارتكبت بقصد القتل أو نتج عنها القتل العمد كنتيجة حتمية لهذا الأفعال ولذلك يستوي استعمال تعبير قتل أو تسبيب موت للتعبير عن نفس المفهوم
وعلى ذلك يعني القتل العمد، في هذه الشأن، أي شكل من أشكال إزهاق الروح غير ناجمة عن حكم قانوني صادر بالإعدام من محكمة مختصة حسب نص اتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949م
وفقا لنظام المحكمة الجنائية الدولية وتحديدا الفقرة ( 1/أ ) من المادة ( 7 ) فإن جريمة القتل العمد كجريمة ضد الإنسانية هي جريمة ضد شخص أو أكثر في نطاق مجموعة من المدنيين، وذلك ضمن سياسة عامة تنتجها الدولة أو عصابة في إطار سياسة هذه الدولة، وإن يعلم الجاني بحقيقة هذه الأفعال.
ومن صور جرائم القتل العمد التي تعد جرائم ضد الإنسانية المذابح التي ارتكبها العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في صبرا وشتيلا عام 1982م التي راح ضحيتها أكثر من ( 1800 ) شخصا من الفلسطينيين و اللبنانيين من الرجال والنساء والأطفال، كذلك المذابح التي تمت بقانا بلبنان عام 1996م ثم مذبحة مخيم جنين في فلسطين عام 2002م ،وما قامت به القوات الصربي بيوغسلافيا السابقة ضد المسلمين والكروات للقضاء على السكان المدنيين بجمهورية البوسنة والهرسك 1992م
ثانيا- جريمة الإبادة:
نصت المادة ( 7 ) من نظام المحكمة في فقرتها (ب) على أن جريمة الإبادة من الجرائم ضد الإنسانية، وتقع جريمة الإبادة بالأفعال التالية:
1- أن يقتل المتهم شخصا أو أكثر بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي حتما إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان.
2- أن يكون التصرف قد ارتكب في سياق عملية للقتل الجماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين، أو كان جزءا من تلك العملية.
3- أن يرتبك التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين.
4- أن يعلم المتهم أن التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم وفقا لنص المادة ( 8/1/ب ) من نظام المحكمة الدولية فإن أعمال الإبادة تكون عن طريق قيام المتهم بقتل شخص أو أكثر. أو بإجبار الضحايا “المجني عليهم” على العيش في ظروف تؤدي حتما إلى هلاك جزء من مجموعة السكان المدنيين ويستوي في الأعمال الإبادة الوسائل التي يستخدمها الجاني في القتل سواء كان بالسلاح الناري أم بالسم عن طريق حجز المجني عليهم عن موارد الحياة من مأكل ومشرب أو علاج على نحو يؤدي حتما إلى هلاك هؤلاء السكان المدنيين
ومن أمثلة الإبادة وصورها الحصار الذي تضربه إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ومنع وصول الأدوية الضرورية لهم مما يؤدي إلى موت الأطفال الفلسطينيين.
ولعل الملاحظة أن هناك بعض التشابه بين جريمة الإبادة الواردة بالمادة ( 7 ) وبين جريمة الإبادة الجماعية الواردة في المادة ( 6 ) من النظام الأساسي لكن الفرق يبرز في أن مفهوم الإبادة الجماعية في م( 6 ) يكون فيه الباعث إهلاك جماعة معينة، أو جزء منها لأسباب قومية أو دينية أو عرقية كما حدث لمسلمي البوسنة والهرسك على يد القوات الصربية عام 1992م في حين أن جريمة الإبادة في و ( 7 ) ضمن الجرائم ضد الإنسانية فهي أي فعل تتحقق به جريمة الإبادة تقع على سكان المدنيين كلهم، أو جزء منهم في إطار هجوم واسع النطاق ومنظم ينتج من سياسة الدولة، أو المنظمة التي تمثلها وفي هذا يمكن الإخلاف بين جريمة الإبادة الجماعية الواردة في المادة ( 6 ) وجريمة الإبادة التي تعد من الجرائم ضد الإنسانية الواردة بالمادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ثالثا- جريمة للاسترقاق “الرق والعبودية”:
نصت المادة ( 7/1/ج ) من نظام المحكمة الجنائية الدولة على هذه الجريمة بوصفها إحدى صور الجرائم ضد الإنسانية.
ويشترط لوقوع هذه الجريمة حسب ملحق نظام المحكمة الجنائية الدولية ما يلي:
1- أن يمارس المتهم أيا من السلطات فيما يتصل بحق الملكية أو هذه السلطات جميعا على الشخص أو أكثر من شخص مثل شراء أو بيع أو إعارة أو مقايضة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو أن يفرض عليهم حرمانا مماثلا من التمتع بالحرية.
2- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي مجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
3- أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من ذلك الهجوم أو ينوي أن يكون جزءا منه
وقد عرفت الفقرة ( 2/ج ) من المادة ( 7 ) الاسترقاق بأنه “يعني ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعها، على شخص ما، بما في ذلك هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص، ولاسيما النساء والأطفال”
لقد ابرمت العديد من الاتفاقيات الدولية بهدف القضاء على الرق وأهمها الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الاتجار بالرق الأبيض التي أبرمت عام 1903م وقد تعهدت فيها الأطراف بالقضاء على الرق استخدام النساء والفتيات لغرض الدعارة وقد ظهر العبيد كطبقة في المجتمع المدني في المرحلة الأخيرة من المجتمع البدائي أو العصر البدائي، وقد كان أسرى الحرب هم اول المستغلين فقد قام المنتصرون في الحرب بتحويلهم إلى عبيد، وقد فتح ظهور العبودية صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية وابتداء استغلال الإنسان للإنسان وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية سوقا كبيرا للرقيق وقد بذلت الأمم المتحدة جهدا كبيرا في القضاء على الرق ففي عام 1968م احال المجلس الاقتصادي والاجتماعي موضوع تجارة الرقيق على لجنة حقوق الإنسان فقامت اللجنة في عام 1972م بإنشاء مجموعة عمل بشأن الرق والقضاء على العبودية ويمكن القول أن الرق ألغي رسميا في معظم أنحاء العالم. وحسب ما ذكرته جمعية الرق التي تتخذ من لندن مقرا لها أن صور الرق تشتمل استبعاد المدينين والسخرة، واستغلال الأطفال جنسيا او طباعة جائلين أو عمال يعملون في ظروف غير إنسانية
رابعا- جريمة إبعاد سكان أو النقل القسري للسكان:
هذه الجريمة وردت في الفقرة ( 1/د ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة التي نصت على أنه “يشكل أي فعل من هذه الأفعال جريمة ضد الإنسانية”.
د- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان.
وجاء تعريفها بالفقرة ( 2/د ) كما يلي:
” يعني أبعاد السكان أو النقل القسري للسكان” نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنظمة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي ويشترط لوقوعها أن يحدث الآتي:
1- أن يرحل المتهم أو أن ينقل قسرا شخصا أو اكثر إلى دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل قسري أخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي.
2- أن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيون موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي ابعدوا منها على هذا النحو.
3- أن يكون المتهم ملما بالظروف الواقعية التي تقررت على أساس مشروعية هذا الوجود.
4- ان يرتكب هذا التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين ويعلم المتهم بذلك أو ينوي دلك وقد شهد العالم عمليات أبعاد واسعة النطاق للسكان في مراحل متعددة وكان من أهم الأمثلة لذلك ما ارتكب في الحربين العالميتين وفي فلسطين المحتلة وما كابده المسلمون والكروات على أيدي الصرب في يوغسلافيا السابقة من عمليات إبعاد ونقل فسري وحشية كانت تجسيدا لسياسة معلنة في التطهير العرقي للمنظمة وقد واجه المجتمع الدولي هذه الممارسات بالعديد من الوثائق القانونية التي كان آخرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يعد الوثيقة القانونية الدولية الأولى تذكر صراحة جريمة النقل القسري للسكان
ولعل هذه الجريمة انشرت في مناطق النزاعات المسلحة بصورة كبيرة وعلى سبيل المثال الاتهامات التي وجهت لأطراف النزاع المسلح في إقليم “دارفور” بالسودان من قبل المنظمات الدولية والأمم المتحدة التي اتهمت مليشيات “الجنجويد” بممارستها ضد السكان الأفارقة بالإقليم، ويجري التحقيق الآن من قبل المدعي العام بالمحكمة الدولية للوصول إلى نتائج حول هذا الاتهام، وحسنا فعلت اللجنة التي وضعت هذا النظام الأساسي حتى يتم اجتثاث مثل هذه الجرائم التي تستغل من جانب الأطراف المنتصرة في النزاعات المسلحة وفي رأيي أن يبذل العالم مزيدا من الجهد حتى يصل إلى سياسة جنائية مثلى لمعاقبة الدول التي تمارس مثل هذه الجرائم البشعة كإسرائيل ضد الفلسطينيين، والصرب ضد المسلمين والكروات.
خامسا- جريمة السجن والحرمان من الحرية الشخصية:
كلفت القوانين الوطنية والمواثيق الدولية حق الإنسان في سلامة جسده واعتبرتها من الحقوق الأساسية وقد حظر نظام المحكمة الجنائية الدولية المساس بسلامة الإنسان الجسدية إذ نصت الفقرة ( 1/ ﻫ) من المادة ( 7 ) من النظام المذكور على أنه يشكل جريمة ضد الإنسانية:
ﻫ- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
وقد تمثلت شروط وقوع هذه الجريمة الواردة في ملحق النظام الأساسي كما يلي:
1- أن يسجن المتهم شخصا او أكثر، او يحرم شخصا أو اكثر حرمانا شديدا من الحرية الشخصية بصورة أخرى.
2- أن تصل جسامة التصرف إلى الحد الذي يشكل انتهاكا للقواعد الأساسية للقانون الدولي.
3- ان يكون المتهم ملما بالظروف الواقعية التي تثبت قيامه بالتصرف.
4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين ويعلم المتهم أو ينوي أن يكون دلك العمل جزءا من الهجوم
والسجن عموما من العقوبات السالبة للحرية التي يتحقق إيلامها عن طريق حرمتن المحكوم عليه من حقه في التمتع بحريته غذ تسلبه العقوبة دلك الحق، إما نهائيا كما في السجن مدى الحياة أو بصفة مؤقتة كقضاء العقوبة كما أن هناك حالات الاعتقال الإداري لخطورة الشخص على المجتمع، ولا يعد السجن او سلب الحرية جريمة ضد الإنسانية إلا إذا كانت عملية السجن تشكل خرقا لقواعد القانون الدولي إذ لا تعد فترة السجن التي يقضيها المحكوم لعقوبة على جريمة الحكم عليه فيها جريمة ضد الإنسانية. ومن أمثلة هذه الجريمة ما قضى به ضد نلسون منديلا الزعيم الإفريقي بجنوب إفريقيا، الذي سجن اكثر من ستة وعشرون عاما بسبب نضاله السياسي ومطالبته بالقضاء على التمييز العنصري
نص على جريمة التعذيب بالفقرة ( 1/ و) بالمادة ( 7 ) من نظلم المحكمة الجنائية الدولية، التي نصت على أنه يعد من الجرائم ضد الإنسانية.
و- “التعذيب”.
وقد عرفتها الفقرة ( 2/ ﻫ) كما يلي:
يعني “التعذيب” تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنيا أم عقليا، بشخص موجود تحت إشراف المتهم او سيطرته، ولكن لا يشمل التعذيب أي الم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية او يكونان جزءا منها او نتيجة لها.
ويشترط لحدوث جريمة التعذيب أن يحدث الآتي:
1- أن يلحق المتهم ألما شديدا او معاناة شديدة، سواء بدنيا أم نفسيا بشخص.
2- أن يكون هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص موجودين تحت إشراف المتهم وسيطرته.
3- ألا يكون ذلك الألم أو تلك المعاناة ناشئين فقط عن عقوبات مشروعة أو ملازمين لها أو تابعين لها.
4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزاءا من ذلك الهجوم.
5- أن يعلم المتهم ان التصرف جزءا من هجوم واسع النقاط أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم
عن اعمال التعذيب تتم بتعمد إلحاق ألم شديد بالمجني عليه أو معاناة شديدة سواء كانت بدنية أم عقلية كما يتعين ان يكون مصدري الألم والمعاناة غير مشروع بمعنى أن يتحقق ذلك في غير عقوبة قانونية صادرة ضد الجاني، كما يمكن أن يكون الباعث على هذا التعذيب اسبابا عنصرية كما حدث في جنوب إفريقيا العنصرية قبل القضاء على التمييز العنصري وما حدث لمسلمي البوسنة والهرسك بيوغسلافيا السابقة، ومن صور التعذيب أيضا ما يحدث للشعب الفلسطيني من معاملة عنصرية على أيدي الاحتلال الإسرائيلي وخاصة ما حدث بمخيم جنين عام 2002م
ويعد التعذيب من ابشع الجرائم التي يمكن أن ترتكب في حق الإنسانية فقد نص على حظره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة ( 5 ) والمادة ( 6 ) العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أيضا والوثائق التي صدرت الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية في مجال التعذيب تضمنت حظرا صريحا للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللا إنسانية
ومن الوثائق المهمة التي حظرت التعذيب أيضا القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في جنيف عام( 1955م ). ولعل من الوثائق المهمة ايضا إعلان الأمم المتحدة لعام ” 1984 والمنفذ عام 1987م ” المتعلق بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللا إنسانية او المهنية الذي عرف في مادته الأولى التعذيب على أنه:
“أي عمل ينتج عنه ألم او عذاب شديد جسديا كان او عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول على اعتراف، او معاقبته على عمل ارتكابه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو او شخص ثالث او تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث- أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب بأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، او يحرض عليه او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي او أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم او العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”
لقد اهتمت المنظمات الدولية والإقليمية بجريمة التعذيب، كذلك الأنظمة الداخلية للدول وبذلت قصارى جهدها لتفادي هذه الجريمة الخطيرة وممارستها، ولكن بالرغم من ذلك فغن عملية التنفيذ لهذه المعاهدات لا تزال ضعيفة جانب الدول، بل ان هناك تعذيبا ضد الأشخاص يمارس على مرأى ومسمع الدول العظمى ضد الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، وضد الشعب العراقي كما حدث في سجن أبي غريب وغيرها من الأماكن من قبل قوات الاحتلال الأمريكي.
سابعا- الاغتصاب والعنف الجنسي:
يعد الاغتصاب انتهاكا للسلامة الجسدية وشرف الضحية واعتداءا خطيرا يصيب حريتها العامة والجنسية ويعد من أخطر الجرائم في مجتمع دول العالم لما ينجم عنه من اذى جسدي ونفسي مستمرين إضافة إلى أن ضحايا الاغتصاب غالبا ما يعاقبون اجتماعيا عن هذه الجريمة المرتكبة في حقهم وقد برزت خطورة هذه الجريمة بشكل كبير بعد استخدامها في النزاع المسلح ف يوغسلافيا السابقة كوسيلة من وسائل التطهير العرقي
لقد نصت الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على جريمة الاغتصاب، واعتبرت أن فعل الاغتصاب أو الاستبعاد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، او الحمل القسري، أو التعقيم القسر، أو أي شكل من اشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة يشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب أحكام هذا النظام الأساسي.
وعرفت الفقرة ( 2/ و) “الحمل القسري” بأنه إكراه المرأة على الحمل فسرا وعلى الولادة غي المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان
أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي، ول يجوز تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل ويشترط لحدوث جريمة الاغتصاب الشروط التالية:
1- أن يعتدي المتهم على جسد شخص وذلك بأن يأتي سوكا ينشأ عنه إيلاج عضو جنسي في أي جزء من جسد الضحية او ينشأ عن إيلاج أي جسم أو أي عضو آخر من الجسد في شرج الضحية أو فتحه جهازها التناسلي مهما كان ذلك الإيلاج طفيفا.
2- أن يرتكب الاعتداء بالقوة أو بالتهديد باستخدام القوة أو الإكراه كأن ينشأ عنه خوف الشخص المعين أو شخص آخر من التعرض لأعمال العنف أو إكراه أو اعتقال واضطهاد نفسي أو لإساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئة قسرية أو عجز الشخص عن التعبير حقيقة عن الرضا.
3- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
4- أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين
لقد شمل نص الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) إلى جانب الاغتصاب جرائم أخير، وهي ما تعرف بجرائم العنف الجنسي وتشمل الآتي:
1- الاستبعاد الجنسي: ومن شروطه التي تقع بها الجريمة ما يلي:
أ- أن يمارس المتهم أيا من السلطات أو جميع السلطات فيما يتصل بحق الملكية على شخص أو أكثر من شخص مثل شراء أو بيع أو إعارة أو مقايضة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو أن يفرض عليهم حرمانا مماثلا في التمتع بالحرية.
ب- أن يتسبب المتهم في قيام الشخص أو الأشخاص بفعل أو أكثر من الأفعال ذات الطابع الجنسي.
ج- أن يرتكب هذا التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
د- أن يعلم المتهم أن هذا التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين
إن هذه الجريمة تعني أن يمارس الجاني سلطته على شخص أو مجموعة من الأشخاص بوصفه مالكا لهم، وهذه الصفة تخوله حق التصرف فيهم بالبيع أو الشراء أو الإعارة أو المقايضة بهؤلاء الأشخاص وقد عني المجتمع الدولي بتحريم تجارة الرقيق الأبيض واستغلال دعارة الغير حيث أبرمت العديد من المعاهدات الدولية من أهمها اتفاقية الأمم المتحدة رقم ( 7/3 ) لعام 1949م وقد اعتبرت هذه الاتفاقية جريمة الاتجار في الأشخاص واستغلال دعارة الغير جريمة دولية أو ذات صفة دولية
2- جريمة الإكراه على البغاء:
وردت ضمن الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من نظام المحكمة الجنائية الدولية وتتم بتوفير الشروط الآتية:
أ- أن يرغم المتهم شخصا أو أكثر على ممارسة فعل أو أفعال ذات طابع جنسي باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها أو قسرا من قبيل الأفعال التي تنجم عن الخوف من التعرض للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الضغوط النفسية أو إساءة استعمال السلطة أو باستغلال وجود بيئة قسرية أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير عن حقيقة رضاهم.
ب- أن يحصل المتهم أو غيره أو أن يتوقع الحصول على أموال أو فوائد أخرى لقاء تلك الأفعال الجنسية أو لسبب مرتبط بها.
ج- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
د- أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزء من هذا الهجوم
3- جريمة الحمل القسري:
وردت ضمن الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) أيضا بوصفها جريمة ضد الإنسانية ويشترط لوقوعها أن يقع الفعل بالشروط الآتية :
أ- أن يحبس مرتكب الفعل امرأة أو أكثر حملت بالقوة بنية التأثير في التكوين العرقي لأية مجموعة من المجموعات السكانية أو ارتكاب انتهاكات جسمية للقانون الدولي.
ب- أن يصدر التصرف في سياق هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين.
ج- أن يعلم المتهم أن هذا التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزء من ذلك الهجوم
هذه الجريمة تهدف إلى إحداث تغيير في تركيبة المكان أو تكوينهم العرقي في دولة معينة لمجموعة عرقية من السكان، وهو ما يمثل انتهاكا خطيرا لقواعد القانون الدولي ومن أمثلتها ما حدث من قوات السرب للمسلمات البوسنيات حال حرب البوسنة في الفترة من عام ( 1992م-1995م ) حيث أعدت معسكرات خصيصا لاغتصاب البوسنيات بطريقة منظمة وإجبارهن على الحمل من الجنود الصرب بهدف خلق جيل من المقاتلين الصرب لتغيير البنية العرقية للمسلمين في البوسنة
4- جريمة التعقيم القسري
وهي من الجرائم الواردة ضمن الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقد عرفت أثناء الحرب العالمية الثانية حيث أصدر هتلر عام 1936م تشريعا يجيز التعقيم الوقائي الأشخاص المصابين بأمراض وراثية، ومن أمثلتها ما قامت به ألمانيا النازية بتعقيم بعض الرجال والنساء الذين يعانون من بعض الأمراض، وذلك بغرض خلق جنس موفور الصحة والقوة ونظرا لخطورة هذا النوع من الجرائم تم تصنيفها من الجرائم ضد الإنسانية واعتبرت جريمة بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولكي تتم هذه الجريمة لابد من توافر الشروط الآتية:
أ- أن لا يكون ذلك السلوك مبررا طبيا أو لا يكون قد أملاه علاج في أحد المستشفيات يتلقاه الشخص المعني أو الأشخاص المعنيين ولم يكن قد صدر بموافقة حقيقة للمتهم.
ب- أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.
ج- أن يعلم مرتكب الجريمة أن هذا السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد سكان مدنيين
5- جريمة العنف الجنسي:
وتعد هذه الجريمة من الجرائم الإنسانية التي تنص عليها في الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية وتتم وفق الشروط الآتية:
أ- أن يرتكب المتهم فعلا جنسيا ضد شخص أو أكثر أو أن يرغم ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص على ممارسة فعل جنسي إما باستعمال القوة أو بالتهديد باستعمالها أو قسرا من قبيل الأفعال التي تنجم عن الخوف من التعرض للعنف والإكراه أو الاحتجاز أو الضغوط النفسية أو إساءة استعمال السلطة أو باستغلال وجود بيئة قسرية أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير عن حقيقة رضاهم.
ب- أن يكون التصرف على درجة من الخطورة يمكن مقارنتها بالجرائم الأخرى المنصوص عليها في الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي.
ج- أن يرتكب التصرف كجزء من وهجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين وأن يكون المتهم على علم بذلك
إن واضعي نظام المحكمة الجنائية قد بذلوا جهدا كبيرا في تصنيف وتحديد الجرائم التي أشارت إليها الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 )، وإن دل ذلك على شيء إنما يدل على خطورتها البالغة، وأثرها في المجتمعات وانتشارها في مناطق النزاعات والصراعات المسلحة، لكنه بالرغم من ذلك التصنيف الدقيق إلا أن صعوبة إثبات مثل هذه الجرائم يقف عائقا في الحد منها حتى في القوانين الداخلية للدول هناك صعوبة في إثباتها أمام المحاكم الأمر الذي جعلها مازالت منتشرة في بعض المجتمعات، ولعل العقوبة الرادعة لها هي الحل الأمثل للحد منها كما هو موجود بالشريعة الإسلامية.
ثامنا- جريمة الاضطهاد:
نصت الفقرة ( 1/ ح) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي على أنه يعد جريمة ضد الإنسانية: اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموعة محددة من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو أثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة ( 3 ) أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة كما عرفت الفقرة ( 2/ ز) “الاضطهاد” بأنه يعني حرمان جماعة من السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع. ومن شروط وقوع هذه الجريمة ما يلي:
1- أن يتسبب مرتكب الجريمة في حرمان شخص أو أكثر حرمانا شديدا من حقوقهم الأساسية بما يخالف القانون الدولي.
2- أن يستهدف المتهم ذلك الشخص أو الأشخاص بسبب انتمائهم لفئة أو جماعة محددة.
3- أن يكون ذلك الاستهداف على أسس سياسية أو عرقية أو وطنية أو أثينية أو ثقافية أو دينية أو تتعلق بنوع الجنس حسب ما عرف في الفقرة ( 3 ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي أو أية أسس أخرى يعترف بها عالميا بأنها محظورة بموجب القانون الدولي.
4- أن يرتكب التصرف فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في الفقرة الأولى من المادة السابعة من النظام الأساسي أو بأية جريمة تقع ضمن اختصاصا المحكمة.
5- يكون ذلك التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان وأن يعلم المتهم بذلك أن
إن جريمة الاضطهاد جريمة عنصرية ضد الإنسانية يتعمد فيها الجاني حرمان المجني عليهم من حقوقهم الأساسية التي كفلتها المواثيق والمعاهدات الدولية ومنها حق الإنسان في التنقل وحريته في التعبير عن رأيه وحريته في التقاضي أمام المحاكم وتكليفه فوق طاقته بأعمال شاقة أو التمايز بين البشر على أساس العرق أو الطوائف ولعل ما تقوم به روسيا في الشيشان يمثل صورة واضحة لهذه الجريمة وكذلك أعمال الاضطهاد التي مارسها الصربيون في البوسنة والهرسك تمثل صورة لهذه الجريمة وما يجري للشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل من حرمان لحقوقهم الأساسية من حصار ومنع الغذاء والكساء لهو خير مثال لهذه الجريمة أيضا، فبالرغم من دور هذه الجريمة بالنظام الأساسي للمحكمة وتجريمها إلا أن الدول الكبرى تحول دون الحد من ارتكابها بالحماية التي تكلفها للدول التي ترتكب هذه الجرائم وخير مثال الولايات المتحدة وما توفره من حماية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
تاسعا- جريمة الاختفاء القسري للأشخاص:
وهي من الجرائم ضد الإنسانية التي نص عليها ضمن الفقرة ( 1/ ط) من المادة ( 7 ) من نظام المحكمة الجنائية الدولية حيث نص على أنه تعد جريمة ضد الإنساني:
ط- “الاختفاء القسري للأشخاص” وقد عرفته الفقرة ( 2/ ط) بأنه يعني إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو سكوتها عليه. ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة ومن شروط هذه الجريمة التي وردت بالملحق بالفقرة المذكورة ما يلي:
1- أن يقوم مرتكب الجريمة بإلقاء القبض على شخص أو أكثر باحتجازه أو اختطافه.
2- أن يرفض الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم.
3- أن يرتكب التصرف باسم دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا التصرف أو إقرار به.
4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي وأن يعلم المتهم بذلك الهجوم أو ينوي القيام به. والملاحظ أن هذه الجريمة من الجرائم التي ترتكبها الدول نفسها أو إحدى المنظمات السياسية دعما للدولة بل قد يرتكبها الأفراد دعما للدولة أو المنظمة وقد قد يقتصر دعم الدولة على العلم بالجريمة والسكوت عليها وغالبا ما ترتكب ضد المعارضين السياسيين أو الزعامات الدينية التي يلتف حولها الرأي العام وتثير قلق القادة السياسيين بالدولة فيتم التخلص منهم حتى يتناساهم الرأي العام والمواطنون بهذه الدول ومن أمثلة هذه الجريمة ما يقع في فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948م وحتى اليوم
وهذه الجريمة تعد من الجرائم المنتشرة في كثير من بلدان العالم، وخاصة الأنظمة الشمولية والعسكرية التي لا تعترف بالنظام الديمقراطي وحرية التعبير والرأي العام.
عاشرا- جريمة الفصل العنصري:
تعد جريمة الفصل العنصري إحدى الجرائم ضد الإنسانية الموجهة ضد حقوق الإنسان وقد جاء تقنين هذه الجريمة تدعيما للجهود المبذولة في مجال حقوق الإنسان والعمل على تأثيم انتهاكات هذه الحقوق، حيث كان القانون الدولي التقليدي يعد موضوع حقوق الإنسان من المسائل الداخلية التي لا يجوز إثارتها على المستوى الدولي ولم يكن هذا الموقف طبيعيا ذلك لأن الإنسان هو غاية كل تنظيم دولي فانصبت اهتمامات تطور القانون الدولي لتشمل الفرد بالرعاية أو الحماية باعتباره من أهم موضوعاته وقد جاءت العديد من المعاهدات والاتفاقات الدولية لحماية الأقليات الدينية من العنصرية وكان الهدف من تلك المعاهدات الالتزام بتطبيق العدالة والمساواة في معاملة هذه الأقليات
لم يكن التمييز العنصري وليد العصور الحديثة وإنما هو قديم، والتمييز لا يزال موجودا وهو يتمثل في التمييز الطبقي في المجتمعات الطبقية السابقة والحالية، ولكنه برز بشكل واضح إزاء الأقليات حيث أخذ مظاهر مختلفة عبر الفترات الزمنية المتعاقبة بداية من الرق بشكل عام كما اتخذ شكل اضطهاد الأقليات في الفترات التاريخية القريبة أو البعيدة أو إبادتها حتى وصل إلى نشأة الأنظمة العنصرية التي تقو على التمييز أو الفصل العنصري معا المتمثلة في النازية الألمانية والعنصريات الأوروبية البيضاء في جنوب إفريقيا، وروديسيا، وناميبيا وفي فلسطين المحتلة التي مازالت تعني منه حتى اليوم. وقد ظهر التمييز العنصري كمفهوم سياسي في الثلاثينيات من القرن الماضي ويراد منه إظهار نقاء وتفوق العرق الجرماني على بقية الأعراق، كما فعل النازيون من التمييز بين الأجناس المقيمين على أرض الدولة الألمانية ثم تحول بعد ذلك إلى جنوب إفريقيا عام 1945م . وقد ظهر أول تجريم للعنصرية في النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية “نورمبرج” 1945م في المادة السادسة التي طبقتها المحاكم الدولية الخاصة أثناء محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية، ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة ليؤكد كرامة الإنسان والمساواة بين الشعوب حيث جاء في ديباجة الميثاق أن شعوب الأمم المتحدة تؤكد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، كما نصت المادة الأولى من الفقرة الثانية على أن من مقاصد الأمم المتحدة تعزيزا احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية بين الرجال والنساء، كما تعهد أعضاء الأمم المتحدة بموجب المادتين ( 55-56 ) من الميثاق باتخاذ الإجراءات المشتركة أو المنفردة بالتعاون مع المنظمة للدعوة إلى الاحترام العالمي ومراعاة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية للمجتمع دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ثم توالت أعمال الأمم المتحدة بعد ذلك وتوجت بعدة اتفاقات دولية لحقوق الإنسان، ومن أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/2/1948م الذي تضمن قائمة بالحقوق السياسية والمدنية للإنسان حيث نصت المادة الأولى على الآتي:
” يولد جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء” كما ذكرت المادة الثانية : أن ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحجريات والحقوق الواردة في هذا الإعلان دون تمييز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثرة أو أي وضع آخر دون أي تفرقة بين الرجال والنساء”. كما حددت الوثيقة الحقوق المدنية والسياسية والمعترف بها في المواد ( 3-21 )” وتتضمن هذه الحقوق حق كل إنسان في الحياة والحرية وسلامة شخصه وحقه ألا يخضع للعبودية أو الاسترقاق وحقه في ألا يعرض للتعذيب أو العقوبة القاسية المهنية المنافية للكرامة الإنسانية وحق كل إنسان في أن يعترف بشخصية أمام القانون، وحق جميع الناس في المساواة أمام القانون، وحق كل إنسان في اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقه وحقه في ألا يقبض عليه أو يحبس أو ينفى بدون مخالفة منصوص عليها قانونا وحق كل إنسان في محاكمة عدالة أمام محكمة مستقلة نزيهة وحق كل متهم في أن يعد بريئا حتى تثبت إدانته، وحق كل إنسان في ألا يكون عرضة للتدخل في شؤون أسرته أو مسكنه، وحق كل إنسان في حرية السفر وحقه في اللجوء إلى البلاد الأخرى وحقه في أن تكون له جنسية وحقه في الزواج وتكوين أسرته، وحقه في حرية الفكر والضمير والدين وحقه في حرية الرأي والتعبير”. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة عالمية تعترف بالقيمة الإنسانية للنوع البشري في نطاق التقدم الحضاري وقد أصبحت مصدرا لدساتير وتشريعات الكثير من الدول في إنحاء العالم بل دخلت بعضها في طلب مواثيق بعض المنظمات الدولية والإقليمية المختصة وباتت نصوصها تشكل الخطوط العريضة التي يجري العمل على أساسها في إرساء دعائم حقوق الإنسان بين الشعوب.
إن مبدأ الاعتراف بقيمة الفرد في النظم القانونية لم يعد محصورا فقط في نطاق الشؤون الداخلية، وإنما أصبح مبدأ عالميا يدخل في نطاق القيم الأساسية التي يحميها المجتمع الدولي باعتباره وسيلة للتقدم الحضاري والإنساني، ومن هنا جاءت جريمة الفصل العنصري لتكوين مؤشرا للاتجاه العالمي نحو تأثيم وتجريم انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الدولي وظهر اهتمام المجتمع الدولي بهذه الجريمة من خلال الاتفاقات والإعلانات الدولية التي صدرت لمحاربة هذه الجريمة
ومن حيث الطبيعة القانونية لهذه الجريمة فإنها تعد من الجرائم الدولية الموجهة ضد الإنسانية ومثل هذه الجريمة ينتج عنها مسؤولية مزدوجة المسؤولية الأولى تقع تبعتها على الدولة التي تقع الجريمة على إقليمها أو في نطاق ولايتها بسبب تقاعسها عن القيام بالالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات أو وقوع الجريمة نتيجة لسياسيتها أو بإيعاز منها، والمسؤولية الثانية تقع تبعاتها على الأفراد الطبيعيين الذين يقدمون على ارتكاب أحد الأفعال التي تكون هذه الجريمة، أو يشاركون في ارتكابها بالتحريض أو التواطؤ أو التشجيع من الدولة، وقد نصت المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري على المسؤولية الدولية التي تقع على الأفراد وأعضاء المنظمات وممثلي الدولة، كما نصت المادة ( 25 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على المسؤولية الجنائية الدولية التي تقع على الأفراد الطبيعيين دون سواهم وهذا ما يؤكد المسؤولية المشتركة في هذه الجريمة بين الأفراد والدول التي تقع في أراضيها
لقد نصت الفقرة ( 1/ ي) من المادة ( 7 ) من النظم الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على جريمة الفصل العنصري باعتبارها إحدى الجرائم ضد الإنسانية وجاء نصها كما يلي:
1- لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ما ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.
ي- جريمة الفصل العنصري.
كما عرفت الفقرة ( 2/ ح) من المادة ( 7 ) جريمة الفصل العنصري كما يلي:
تعني “جريمة الفصل العنصري” أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.
ولكي تتم هذه الجريمة لابد من توافر الشروط الآتية:
1- أن يرتكب المتهم فعلا لا إنسانيا ضد شخص أو أكثر.
2- أن يكون ذلك الفعل من الأفعال المشار إليها في الفقرة (1) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة.
3- أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت طبيعة ذلك الفعل.
4- أن يرتكب التصرف في إطار نظام مؤسس قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية ضد جماعة أو جماعات عرقية أخرى.
5- أن ينوي المتهم من خلال سلوكه الإبقاء علة ذلك النظام.
6- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
7- وأن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم
كما أن جريمة الفصل العنصري المشار إليها تقوم على فعل ينطوي على الاضطهاد أو سوء المعاملة أو أي فعل غير إنساني آخر لفرد أو لمجموعة من الأفراد على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة أو الرأي السياسي وغيرها، وذلك بغرض الاضطهاد أو الهيمنة على هذا الفرد أو هذه المجموعة، والعنصرية بالمفهوم السابق تنطوي على إخلال بروح الإخاء والمساواة بين بني البشر وتتعارض مع مبادئ القيم الإنسانية ولذلك، فإنها تدخل ضمن الأفعال التي تقع ضد الإنسانية وتعتبر جريمة الفصل العنصري جريمة عمدية تقوم على القصد الجنائي بعنصرية العلم والإرادة فالجاني يجب أن يعلم أن ما يأتيه من أفعال ينطوي على تفرقة تستند إلى انتماء المجني عليه إلى جني أو لون معين وأن تنصرف إرادته إلى ذلك الفعل
ومن صور جريمة الفصل العنصري وأمثلتها ما كانت تمارسه ألمانيا النازية من تميز عنصري ضد شعوب الدول الأخرى وكذلك ما كان يمارس من تفرقة عنصرية في جنوب إفريقيا قبل انهيار نظلم الفصل العنصري وعودة الحكم إلى الأغلبية السوداء في دولة جنوب إفريقيا
إحدى عشر- الأفعال اللا إنسانية المسببة للأذى البدني أو العقلي الجسيم:
نصت المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية الفقرة ( 1/ ك) على أنه يعد جريمة ضد الإنسانية الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات طابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية وقد نص على شروط وقوع ه الجريمة في ملحق الفقرة ( 1/ ك) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كما يلي:
1- أن يلحق المتهم بارتكابه فعلا لا إنسانيا معاناة شديدة أو ضررا بالغا بالجسم او بالصحة العقلية أو البدنية للمجني عليه.
2- أن يكون ذلك الفعل ذا طابع مماثل لأي فعل آخر مشار إليه في الفقرة ( 1 من المادة 7 ) من النظام الأساسي.
3- أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعة التي تثبت طبيعة الفعل.
4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
5- أن يعلم المتهم بأن هذا التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم
واضح من صياغة هذه الجريمة أن النص عليها ورد عاما ومطلقا بحيث يستوي أي فعل في طبيعة الجرائم ضد الإنسانية وخطورة هذه الجرائم ولذلك أشار إلى أي فعل يلحق المعاناة الشديدة أو الأذى الخطير بالجسم أو الصحة العقلية أو البدنية، وهذه الأفعال قد تكون أفعالا مادية كالتعذيب والحجز والاعتقال وتقييد الحرية بأي وضع من الأوضاع. كما يلحق بها الأفعال المعنوية التي قد تسبب ذات الأذى البدني أو العقلي للمجني عليه كتعمد اضطهاد أو حرمانه من الحقوق الأساسية كحق المأكل والمشرب والتعليم والملكية والعمل وغيرها من الحقوق الأساسية التي بدونها يعد المجني عليه في موقف الشخص المضطهد الذي يشعر بالأذى والمعاناة ولذلك يستوي في هذه الجريمة التي تتوافر بأي فعل لا إنساني من الجناة ضد المجني عليهم، أن تسبب المعاناة الشديدة أو الأذى الخطير بالجسم كبتر الأطراف أو اعتلال الصحة البدنية، ذلك عن طريق الإصابة بالأمراض الخطيرة التي تؤدي بحياة الإنسان مثل الحجز والاعتقال والتعذيب لمدو طويلة لا يرى فيها المجني عليه ضوء الشمس ويعاني من استنشاق الرطوبة الأمر الذي قد يصيبه بالجنون
والملاحظ أن هذه الجريمة نصها عام ترك تقييم مدى جسامة الفعل فيها لتقدير القضاء الدولي الجنائي، وهي من الجرائم التي يمكن أن تستغل من جانب الدول الكبرى كذريعة للتدخل في شؤون الدول الصغرى التي تخالفها في سياستها الاقتصادية، أو السياسية، او التي لا تدور في فلكها، وتتم الإدانة بواسطة مجلس الأمن الذي تهيمن عليه الدول العظمى، وتستخدم فيه حق النقص متى ما رأت أن القرارات الصادرة منه لا تخدم مصلحتها.
أنواع الجرائم ضد الإنسانية وصورها – البحث الثالث was last modified: August 8th, 2021 by Shield