Tag
الجرائم ضد الإنسانية
تعد الجرائم ضد الإنسانية حديثة العهد نسبيا على الصعيد القانوني الدولي، وفي بعض القوانين الوطنية ولم يكن لها تعريف مستقل عن جرائم الحرب إلا بعد الحرب العالمية الثانية عندما تطرقت لها المادة السادسة الفقرة (ج) من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية “نورمبرج”
وبعد تأثيم الأفعال المكونة لهذه الجرائم وسيلة سهلة وفعالة لتوفير الحماية الجنائية لحقوق الإنسان في وقت السلم والحرب بل وتمثل أحد الضمانات الأساسية للحد من طغيان الحكام الذين يتنكرون لقيم الإنسانية العليا ويهددون حقوق بعض الفئات أو الجماعات الإنسانية لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية
وسوف أحاول أن أستعرض مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في بعض المواثيق ونظم المحاكم الدولية التي صدرت في العصر الحديث.
أولا- الجرائم ضد الإنسانية في ميثاق نورمبرج:
ارتكب النازيون، وغيرهم من أطراف النزاع في الحرب العالمية الثانية مجازر بشعة في حق رعيا بعضهم من المدنيين والعسكريين، وانفراد النازيون بارتكاب فظائع وجرائم وحشية في حق الرعايا الألمان قبل الحرب وبعدها، وخاصة من اصحاب الانتماءين الاشتراكي والشيوعي، كما تعرض اليهود والغجر وغيرهم لعملية اضطهاد وإبادة منظمة منذ عام 1933م ، وقد قدر العدد الذي تمت إبادته بنحو ستة ملايين قتل منهم اربعة ملايين في مؤسسات أنشئت خصيصا لهذا الغرض، وقد كان لهذه المذابح بالغ الأثر في تعريف الجرائم ضد الإنسانية اذ كانت المعضلة الكبر التى واجهت واضعي الميثاق أن هذه الأفعال على الرغم من وحشيتها وقسوتها التي لا تقل جرائم الحرب لم تكن تندرج تحت معناها التقليدي من الناحية الفنية فهي من جهة ارتكبت قبل نشوب الحرب من الجهة الثانية جرائم ارتكبت من قبل الألمان النازيين في حق الرعايا المدنيين من الألمان ومن ثم كان ابتداع مصلح الجرائم ضد الإنسانية
لقد عرفت المادة( 6/ ج) من ميثاق نومبرج مصطلح الجرائم ضد الإنسانية: “القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، الإبعاد، والأفعال اللا إنسانية الأخرى المرتكبة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين قبل الحرب أو أثناءها أو الاضطهادات لأسباب سياسية، عرقية أو دينية، تنفيذا لأي من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وارتباطا بهذه الجرائم سواء كانت تشكل انتهاكا للقانون الوطني للدولة التي ارتكبت فيها أم لا تشكل دلك”
وبالرغم من التعريف الدقيق والمبادئ المهمة التي أرستها المادة ( 6/ ج) من الميثاق إلا أنه يؤخذ على هذا التعرف أنه لم يفرق بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إذ هناك تشابه بينهما في رأي الفقهاء خاصة عندما ارتكبت الأفعال الجرمية ضد المدنيين بشكل واسع النطاق في زمن الحرب، وكان من الملاحظ ميل المحكمة لمعاقبة الفعل كجريمة حرب فإن تعذر عليها ذلك عاقبت عليه كجريمة ضد الإنسانية
ولقد كان هذا دافعا أساسيا لفقهاء القانون الدولي للسعي لإيجاد أنظمة أخرى لتحديد الجرائم ضد الإنسانية وتطوي مفهومها.
ثانيا- الجرائم ضد الإنسانية في القانون رقم (10) لمجلس الرقابة على ألمانيا:
أصدر الحلفاء في 20/12/1945م القانون رقم ( 10 ) لمجلس الرقابة على ألمانيا لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية من القادة الألمان وقد اشتمل القانون على عدة مواد أهمها المادة ( 6/ ج) التي عرفت الجرائم ضد الإنسانية بأنها “الفظائع والجرائم التي تضم بشكل غير حصري القتل العمد، الاسترقاق، الإبعاد، السجن، التعذيب، الاغتصاب، أو أيا من الأفعال اللا إنسانية المرتكبة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، أو الاضطهادات لأسباب سياسية، أو عرقية، أو دينية، سواء كانت هذه الجرائم تشكل انتهاكا للقوانين الداخلية التي ارتكبت فيها أم لم تشكل ذلك” .
ومن خلال المقارنة بين التعريف ضد الإنسانية في كل من القانون رقم ( 10 )، والنظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية “نومبرج” نجد أن القانون رقم ( 10 ) أضاف جرائم أخرى وهي السجن والتعذيب والاغتصاب مما يدل على أنه وسع مجال الجرائم عما هو موجود في تعريف محكمة نورمبرج العسكرية، ويؤكد ذلك خطورة هذه الجرائم، وسعي المجتمع الدولي إلى مزيد من البحث في تعريف الجرائم ضد الإنسانية.
ثالثا- الجرائم ضد الإنسانية في نظام المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة:
لقد جاء تعريف الجرائم ضد الإنسانية في نظام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في نص المادة الخامسة كما يلي:
“سوف تمارس المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة الاختصاص بمقاضاة الأشخاص المسئولين عن الجرائم التالية عندما ترتكب في النزاعات المسلحة سواء كانت ذات طبيعة دولية أو داخلية، أو تكون موجهة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين:
1. القتل العمد.
2. الإبادة.
3. الاسترقاق.
4. الإبعاد.
5. السجن.
6. التعذيب.
7. الاغتصاب.
8. الاضطهاد لأسباب سياسية، عرقية أو دينية.
9. الأفعال اللا إنسانية الأخرى” .
ويلاحظ أن المادة الخامسة المشار إليها قد أضاف جرائم السجن والتعذيب والاغتصاب التي لم تكن مذكورة في نظام المحكمة العسكرية “نورمبرج” والتي ظهرت في المادة ( 6/ ج) من القانون رقم ( 10 ) لمجلس الرقابة على ألمانيا.
إن هناك تشابه بين المادة الخامسة من نظام يوغسلافيا الدولية والمحكمة العسكرية الدولية “نومبرج” عدا الجرائم التي أضافتها المادة الخامسة، كما أن المادة الخامسة ربطت وقوع هذه الجرائم أثناء النزاع المسلح وليست الحرب كما ذكر بمحكمة نورمبرج.
رابعا- الجرائم ضد الإنسانية في نظام المحكمة الجنائية الدولية لراوندا:
أصدر مجلس الأمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لراوندا عام 1994م لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وقد تضمن نظام المحكمة في المادة ( 3 ) منه تعريفا للجرائم ضد الإنسانية جاء فيه ما يلي:
” سيكون للمحكمة الجنائية الدولية في راوندا الاختصاص بمقاضاة الأشخاص المسئولين عن الجرائم التالية عندما ترتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين لأسباب قومية، سياسية، أثنية، عرقية أو دينية:
1. القتل العمد.
2. الإبادة.
3. الاسترقاق.
4. الإبعاد.
5. السجن.
6. التعذيب.
7. الاغتصاب.
8. الاضطهاد لأسباب سياسية، عرقية أو دينية.
9. الأفعال اللا إنسانية الأخرى
ومن خلال المقارنة بين تعريف الجرائم ضد الإنسانية الذي أشارت إليه المادة ( 3 ) من نظام محكمة راوندا الدولية، والتعريف الذي ورد في نظام محكمة يوغسلافيا السابقة نجد أن الاختلاف يتمثل في عدم ذكر النزاع المسلح في المادة ( 3 ) بل أنه اشترط وجود هجم واسع النطاق إلا أنه لم يحدد تعريفا واضحا لهذا الهجوم الذي ورد بالنظام.
خامسا- الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية:
لقد توالت الاجتهادات الفقهية في تعريف الجرائم ضد الإنسانية وتطوير مفهومها، وتواصلت المؤتمرات الدولية واللجان المختصة للسعي لإيجاد تعريفا شاملا يعد المرجعية الثابتة لمفهوم الجرائم ضد الإنسانية للعمل به كتشريع دولي إلى أن تكللت الجهود الدولية بالوصول إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية، والذي تم إقرار مشروعها في مؤتمر روما الذي عقد من 10/ يونيو إلى 17 / يوليو / 1997م ، والذي أوجد لها تعريفا شاملا من خلال المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي جاء نصها كما يلي:
1. لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” متى ارتكب في إطار “هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم :
أ- القال العمد؛
ب- الإبادة؛
ج- الاسترقاق؛
د- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان؛
هـ السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي؛
و- التعذيب؛
ز- الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة؛
ح- اضطهاد أية جماعة محدودة، أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية، أو قومية، أو أثنية، أو ثقافية، أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة ( 3 )، أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة؛
ط- الاختفاء القسري للأشخاص؛
ي- جريمة الفصل العنصري؛
ك- الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
أ- تعني عبارة “هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين” نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عملا لسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تعزيزا لهذه السياسية؛
ب- تشمل “الإبادة” تعمل فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان؛
ج- يعني “الاسترقاق” ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعا، على شخص، بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص ولاسيما النساء والأطفال؛
د- يعني “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان” نقل الأشخاص المهنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي؛
ﻫ- يعني “التعذيب” تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنيا أو عقليا، بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته. ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية او يكونان جزءا منها أو نتيجة لها؛
و- يعني “الحمل القسري” إكراه المرءة على الحمل قسرا أو على الولادة غير المشروعية بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي ولا يجوز بأي حال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل؛
ز- يعني “الاضطهاد” حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع؛
ح- تعني “جريمة الفصل العنصري” أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسس قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجي من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء جماعة أو جماعات عرقية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.
ط- يعني “الاختفاء القسري للأشخاص” إلقاء القبض على أي شخص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه. ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة؛
3. لغرض هذا النظام الأساسي، من المفهوم أن تعبير “نوع الجنس” يشير إلى الجنسين، الذكر والأنثى، في إطار المجتمع، ولا يشير تعبير نوع الجنس إلى أي معنى آخر يخالف ذلك
وبالرغم من أن المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية أوجدت تعريفا للجرائم ضد الإنسانية كان خلاصة جمعت كل التعريفات السابقة واستفادت من الثغرات التي كانت بها إلا أنها اشتملت على بعض الجرائم الموجودة أصلا في القوانين الوطنية كالقتل والاغتصاب مما أوجد تنازعا بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية ومثال ذلك ما يجري من تنازع في الاختصاص في الجرائم التي نجمت عن الصراع القبلي في “درفور” واتخذ مجلس الأمن قرارا بتحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية في حين أن حكومة السودان ترى أنها من اختصاص محاكمها الوطنية
يتبع ….
مفهوم الجرائم ضد الإنسانية – البحث الاول was last modified: May 7th, 2022 by Shield